التعليم في القدس بعد أوسلو


القدس - حقائق واخبار
التعليم في القدس بعد أوسلو
09/03/2010 17:23:00

التعليم في القدس بعد اتفاقية أوسلو
إعداد: اعتدال الأشهب
عضو أمانة المؤتمر الشعبي للقدس/دائرة التعليم
نائبة مدير مديرية تربية القدس سابقا

       قامت سلطات الاحتلال في القدس الشريف وعلى مدى الأربعة عقود الماضية بانتهاج العديد من الممارسات، هدفت إلى فرض واقع جديد على الأرض، بهدم المنازل العربية ومصادرة الأرض، وطرد سكانها خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس حسب التقسيمات الادارية للمحتلين، وعملت على الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح اليهود، داخل حدود المدينة خاصة داخل أسوار القدس. وعملت على ضم المؤسسات الرسمية، وإصدار القوانين والتشريعات التي تكرس عملية التهويد، وحاصرت المؤسسات العربية مجبرة إياها على نقل مكاتبها خارج القدس، وقطعت الطريق على قطاع التعليم والقطاع الصحي من التطور والتوسع أفقيا ورأسيا.
        تتعرض القدس لهجمة شرسة تطال البشر والحجر، ويتسارع الفعل على الأرض لتهويد المدينة وتغيير معالمها، ويسابق الإسرائيليون الزمن بتسريع عمليات الحفريات، وإقامة شبكات الأنفاق تحت الحرم الشريف، استعدادا لمرحلة قادمة يتزامن فيها العمل تحت الأرض مع زيادة هائلة في حجم بناء الوحدات السكنية الاستيطانية في وسط الأحياء السكنية العربية، لتبتلع المستوطنات ما حولها. وعلى الجانب الآخر –الفلسطيني – فلا مرجعية لهذه المدينة ولا رؤية واضحة حول مصيرها، مما أصاب كل قطاعاتها بالشلل والتلاشي التدريجي. وأمام هذه الحالة فقد المقدسيون بوصلتهم نحو المستقبل. يقابل هذا الوضع سرعة من الجانب الإسرائيلي بتهويد المدينة، وضرب كل قطاع فيها يعمل على تثبيت عروبتها. وعلى رأس هذه القطاعات قطاع التعليم التابع لوزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، والذي يعمل تحت مظلة دائرة الأوقاف العامة، والذي يعيش الآن كارثة حقيقية بعد أن اكتمل بناء جدار التوسع الاسرائيلي وأحكم إغلاق مدينة القدس،وعزلها بالكامل عن امتدادها الفلسطيني والعربي.
       أهمل هذا القطاع ولم يتطور بالمستوى المطلوب، لا أفقيا ولا رأسيا، تتجاذبه مشاكل في جزء منها تخضع للإرادة السياسية الفلسطينية والمصير المؤجل للقدس، ومشاكل أخرى موضوعية، وثالثة مهنية. ويتأثر هذا الجهاز بالتجاذبات السياسية التي تؤثر سلبا على موارده البشرية، حتى أصبح محطة عبور مؤقتة للموظفين، وعليه تعرض لهجرة التخصصات والكفاءات، ولا يدار بشكل مهني يرقى لمواجهة الخطر المحدق بهذه المديرية، ومواجهة ما يترتب على ضعف هذه المرجعية من نتائج على مستقبل التعليم في القدس.
       حتى عام 1967م اهتمت الحكومة الأردنية بالتعليم العام في القدس، وبالإضافة إلى النظام المدني، فقد توفر التعليم في المؤسسات الخاصة التابعة للأوقاف الإسلامية والمسيحية، إلى جانب مدارس وكالة غوث اللاجئين، بعد حرب حزيران 1967 العدوانية ضمت إسرائيل القدس بقانون خاص يقضي بتعليم المنهاج  الإسرائيلي تحت الإشراف الإسرائيلي الكامل، وفشلت في حينه بالاستجابة للالتزام القانوني الذي يقضي بتوفير التعليم المجاني للجميع.
     وقد قاوم المقدسيون قرار الضم، وسحبوا أبناءهم من المدارس العامة، وتوجه معظمهم إلى المدارس التابعة لدائرة الأوقاف الاسلامية والقطاع الخاص، ومدارس وكالة غوث اللآجئين، وقاوم الأحرار من التربويين الوضع، وأبقوا على تعليم المنهاج الأردني حفاظا على عروبة التعليم في القدس، مما أجبر السلطات الإسرائيلية على إعادة تدريس المنهاج الأردني تحسبا من انهيار النظام التعليمي المدني. وبهذا تم تطبيق المنهاج العربي الأردني بالكامل نتيجة لفشل سياسة الاحتلال بالسيطرة على قطاع التعليم وتهويده، وذلك أمام إصرار ومقاومة المقدسيين ومقاطعتهم للمدارس الرسمية التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال .
التعليم في القدس بعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994م:
      في عام 1993 جاء اتفاق أوسلو بإقامة السلطة الفلسطينية، ضمن الحكم الذاتي المحدود والذي يتيح لإسرائيل التحكم في كل شيء، وبموجب هذه الاتفاقية تسلمت السلطة الوطنية الإشراف على التعليم اعتبارا من عام 1994م، حيث أبقت السلطة على النظام التربوي الأردني إلى حين الشروع بوضع منهاج تعليم فلسطيني جديد مستندة في ذلك على الحقائق الجديدة على الأرض.
       إن الواقع التعليمي في القدس الشريف، هو حصيلة تعدد أنظمة التعليم في المدينة، وفي ظل غياب مرجعية واحدة تعبر عن هوية التعليم الوطنية في مدينة عانى مواطنوها من سرقة هويتهم لأكثر من 60 عاما ولا  يزالون. هذه التعددية في ظل غياب المرجعية الملزمة أدت إلى ظهور سلبيات في العملية التعليمية، منها: تدني نوعية التعليم، وتفشي ظاهرة التسرب، وعدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي الذي أدى إلى وجود أعداد هائلة خارج إطار التعليم.

الإدارة التعليمية الإسرائيلية لمؤسسات التعليم وتناميها على حساب مؤسسات التعليم الوطنية:
يتوفر التعليم الإبتدائي والثانوي في أربعة أنواع من المؤسسات التعليمية باختلاف جهات الإشراف عليها .
جدول  يبين توزيع المدارس في القدس حسب السلطة المشرفة للعام الدراسي  2008/2009 م .
المجموع
مدارس بلدية/معارف/سخنين
المدارس الخاصة
مدارس الأوقاف
مدارس الوكالة
الجهة المشرفة
147
50
51
38
8
عدد المدارس
89458
54039
19729
12246
3444
عدد الطلبة
100 %
60 %
22 %
14 %
4 %
نسبة الإستيعاب
     
يلاحظ ازديادا كبيرا في أعداد الملتحقين في مدارس البلدية والمعارف ومدارس المقاولات  لتصل نسبة الاستيعاب تحت مظلة الإدارة التعليمية الإسرائيلية إلى مايزيد عن 60% من اعداد الطلبة في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي.
    البحث في النفوذ الإسرائيلي الحكومي الواسع على المدارس:
الإدارة الإسرائيلية للتعليم في القدس نوعان: مباشرة وغير مباشرة.
         أما المباشرة: فتتم عبر وزارة المعارف وبلدية القدس، يضاف إليها مدارس المقاولات - التعليم بالمقاولة حيث تأخذ هذه المدارس مخصصاتها من وزارة المعارف حسب عدد الطلاب، وهي مدارس معترف بها غير رسمية ولاتخضع لأي إشراف-.
         غير المباشرة: وتتم عبر السيطرة على المدارس الخاصة، حيث تتلقى تلك المدارس معونات من بلدية الاحتلال في سابقة مقلقة ومعيقة لتنفيذ السياسات الفلسطينية.ويترتب على تلقي هذه المدارس للمعونات تدخل الإدارة التعليمية الإسرائيلية في سياسات هذه المدارس، تبدأبفرض شروط معينة لترخيصها وتصل للتدخل السافر في رسم سياساتها.
        وعليه، يجب البحث في النفوذ الإسرائيلي الحكومي الواسع على المدارس، والإغراءات المالية المقدمة للقطاع الأهلي والخاص، ونقل الإدارة التعليمية الإسرائيلية غير المباشرة على التعليم في القدس عبر المعونات المقدمة للمدارس الخاصة، فهي كالسم في الدسم الذي سيسلب الفلسطينيين السيادة على قطاع التعليم وإمكانية توجيهه. وعليه ربط التعليم العربي بالمؤسسات الإسرائيلية طوعا على نحو ما جرى للقطاع الصحي. والانصهار في هذه الحالة يقتل روح التحدي والصمود لدى المقدسيين، وينشر ثقافة التطبيع والتعايش مع الاحتلال .
ماذا تعني سيطرة الإدارة التعليمية في القدس على مايزيد عن 60 % من قطاع التعليم بعد أوسلو؟
        مشاكل التعليم المتأصلة في القدس مسؤولية وطنية وحق للجميع، وبناء على ما جاء في توقيع اتفاقية أوسلو في 13 أيلول 1993 م بقيت قضية القدس معلقة، ومؤجلة لإشعار آخر، وقد استغل الجانب الإسرائيلي اتفاقية أوسلو لتهويد القدس والقضاء على الوجود العربي الإسلامي فيها. وهي قضية معلقة من جانب واحد، فالطرف الفلسطيني الملتزم بالتنفيذ، ويقابله موقف إسرائيلي واضح المعالم.. وهو مواصلة تهويد و أسرلة القدس بدون توقف.
       وعمد الاحتلال الصهيوني في إطار سعيه لتهويد مدينة القدس تاريخيا وجغرافيا وحضاريا ومنذ احتلال الشطر الشرقي من المدينة في 5/6/1967 م وحتى يومنا هذا إلى الاهتمام الكبير بقطاع التعليم باعتباره حلقة من حلقات مخططات تهويد القدس، واتخذت العديد من الإجراءات بحق قطاع التعليم ومؤسساته والقائمين عليه لتحقيق أهدافها من أجل فرض واقع جديد على المدينة، على أساس أن القدس أصبحت جزءا من دولتها المزعومة بعد أن ضمتها بقانون خاص، وإعلانها مدينة موحدة وعاصمة أبدية لها، فوضعت يدها على جميع المدارس الحكومية ومديريات التعليم، وميزت أهل القدس بلون الهوية لتأكيد فصل القدس عن باقي الجسم الفلسطيني .
     التعليم من أجل السلام هو شرط أوسلو :
       التزم الجانب الفلسطيني بتنفيذ برامج تعليم تعمل على تطوير التعليم من أجل السلام، ووقف التحريض بشكل عام منذ وفاة الشهيد ياسر عرفات في نوفمبر/2004 م  والتزام السلطة بمنع التحريض في وسائل إعلامها، حيث تعهدت القيادة الفلسطينية، وأخذت على عاتقها طوال عملية أوسلو للسلام في المادة الثانية والعشرين من أيلول/1995 م، الاتفاق المؤقت (أوسلو الثانية)، ضمان أن كل النظم التعليمية تسهم في تحقيق السلام بين الشعبين من جانب واحد (الفلسطيني)، والعمل على تغيير الوعي الفلسطيني في المناهج على مستوى الوطن .

      ووفقا لخريطة الطريق:
يتم الوفاء بعقد الرباعية مؤتمرا دوليا بهدف إطلاق عملية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، بعد أن تأخذ السلطة الفلسطينية خطوات فعالة في مجال التعليم ونظم الاتصالات وتعزيز قبول وجود إسرائيل، وأن تعمل بنشاط على تثبيط التحريض المناهض لإسرائيل.
     في أكتوبر/ 1998 م جاء في مذكرة واي ريفر:
     مرسوم يحظر كل أشكال التحريض على العنف والإرهاب وإنشاء آلية للتنفيذ، وتوج المرسوم بطباعة خرائط شملت دولة إسرائيل. لقد لبى المنهاج الفلسطيني الرؤية الإسرائيلية أملا بأن تقابل نواياهم "الجانب الفلسطيني" بنفس المصداقية، ومن شهادات الجانب الإسرائيلي على هذه التضحية ما جاء في التحريض على النظام التربوي الفلسطيني للدكتور أرنون الذي يرأس مشروع دراسة المنهاج الفلسطيني تحت عنوان "تحسن قليل في الكتب المدرسية الفلسطينية، وتراجع في استخدام اللغة العدائية " يعترف عام 2005 م:
1 –  حدوث تحسن في منهاج الصف الحادي عشر، بظهور إشارات الى التاريخ اليهودي القديم.
2– التسامح بين الأديان.
3– استبدال كلمتي الجهاد والاستشهاد بالتأكيد على ضرورة الصمود ضد أعداء الإسلام .

     تقابل سلطة الاحتلال الإلتزام الفلسطيني من جانب واحد، بتعزيز الثقافة المعادية. إن مؤسس الحركة الصهيونية " ثيودور هيرتزل " يقول: "إذا حصلنا يوما على القدس، وكنت لا أزال حيا، وقادرا على القيام بفعل أي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا عند اليهود في القدس، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون .
      إسرائيل بالمقابل تسيطر على قطاع التعليم، وتفرض المفاهيم غير الفلسطينية، ولا سيما مع تزايد التطرف نحو اليمين داخل إسرائيل، ويخطط وزير التربية والتعليم الإسرائيلي جدعون ساغر(ليكود) لإلزام جميع الطلاب بدراسة توراة اليهودية والصهيونية، بكل مايتفرع عنه من توجهات ومناسبات وتقاليد وشخصيات، وحقهم في العودة والقدس عاصمتهم الأبدية، ليصل إلى فرض حذف مصطلح النكبة من المناهج التي تدرس في المدارس العربية داخل الخط الأخضر.

     وتبقى معركة السيطرة على المؤسسات التعليمية في القدس محتدمة، وفي الوقت الذي نرى فيه سيطرة الإدارة التعليمية الإسرائيلية على قطاع التعليم، لتصل نسبة الاستيعاب ما يزيد عن 60 %. يبقى الجانب الفلسطيني عاجزا عن المحافظة على الحد الأدنى من التوازن والتأثير على توجيه التعليم في القدس، إن تفعيل دور مديرية التربية والتعليم لمرجعية التعليم في القدس يبقى الخيار الوحيد واليتيم للحد من خطر توجيه التعليم من قبل الإدارة التعليمية الإسرائيلية، ويمكننا أن نرى بوضوح في القدس مدى تأثير ثقافة العدو على أبناء وبنات القدس.
إن جيل ما بعد أوسلو لاينسجم مع محيطه، فاقد لهويته الحقيقية وتائه، اختلطت عليه الأمور، وثقافة السلام السائدة بلا أفق فصلته عضويا عن باقي الجسم الفلسطيني. إن المحافظة على عروبة التعليم وحمايته من الأسرلة يحتاج إلى التمسك بحقنا بتوحيد التعليم في القدس وطنيا، وبما يحفظ هويتنا وثقافتنا الوطنية بعيدا عن النفوذ والتأثير الإسرائيليين، وتطوير واقع التعليم في القدس بما يعزز الصمود، والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية للمقدسيين، وتعزيز وعي المواطن المقدسي بأهمية التعليم في العملية التنموية والحفاظ على هويته وثقافته الوطنية، وتوجيه ثقافة الجيل الجديد نحو الصمود والدفاع عن حقهم في العيش في القدس.
من المهم تفعيل دور الإعلام عربيا ودوليا وتعرية السياسات الإسرائيلية وانتهاكها لحق المواطن المقدسي بالتعليم. وفي ذات السياق توعية الجمهور المقدسي حول توجيه التعليم وطنيا بما يخدم ويدعم صمودنا في مديريتنا، وحقنا في الدفاع عن مواطنينا وثقافتنا لنجتاز هذه المرحلة الخطرة في تاريخ قضيتنا الفلسطينية.

No comments:

Post a Comment